قتيل العشق
شهيد الحب أو قتيل الحب أو قتيل العشق أو
قتيل الهوى
يمكنك أن تطلق على عروة الاسم الذي تحب، فهو
من أضناه الهوى حتى أهلكه وأنهى على حياته شابا صغيرا.
قصة الحب تلك التي لم تنل من الشهرة ما
نالتها مثيلاتها من قصص الحب العربية العذرية منها مثل مجنون ليلى وعنتر وعبلة أو
تلك التي لا تمت للعذرية بصلة مثل قصة جميل وبثينة، بل هي لم تنل حظا مثل ما
تقاربها في الأحداث ألا وهي مجنون ليلى "قيس العامري وليلاه" على الرغم
مما تمتلئ به قصة عروة وعفراء من حب وحزن وفراق و................موت.
تنافس في الحب
يظن بعض ممن على علم بالقصة أن قصة عروة
وعفراء وما حدث لهما ناتج من الاحداث التي مرت بحياتهما، ولكن؛ الواقع هو شيء أخر
تماما، فتلك القصة الحزينة تبدأ من قبل مولد الطفلين، بل من قبل حتى زواج أباءهم
لقد كان في قبيلة عذرة فتاتين، ولم تذكر
المصادر إن كانت الفتاتين جميلتين للغاية ذلك الجمال العربي المميز، أم أن جمالهما
عادي ككثير من الفتيات غيرهما، وبالتأكيد تلك الأمور ليست بتلك الأهمية، في جميع
الأحوال كانت المرأتان تتنافسان على حب رجل واحد وهذا الرجل هو "حزام بن
مهاجر الضني" وقد كان حزام صيادا قويا، مغامرا مغواراَ، يقضي في الصحراء أسابيع
وشهور ليصطاد، وكانت كل امرأة منهما ترغب بأن يكون حزام زوجا لها، ولكن من منهما
كان يحبها حزام ويرغب في الزواج منها، لا احد يعلم، ف حزام لم يكن مهتما بهذا
الأمر على الإطلاق فكل اهتمامه كل بالصيد فقط لا غير، حتى ذلك اليوم الذي وصل
الخبر المشؤوم لقبيلته، لقد توفي حزام في الصحراء، وبعد فتة من الحزن وزوال الغم،
تقدم أخو حزام لإحدى المرأتين وبالطبع كان الرأي الأول والأخير في تلك الفترة
للوالد قبل الفتاة، في جميع الأحوال تمت الزيجة ولم يمر وقت طويل حتى عاد حزام
للقبيلة لتعلم أن حبيبها لم يمُت بل هو حي يرزق، لم يكتفي حزام بهذا، بل لقد قرر
الزواج ولم يتزوج أي امرأة في القبيلة بل لقد تزوج من منافستها في حبه، وهكذا
وُلدت عفراء لامرأة ووُلد عروة لمنافستها وكان هذا كفيلاَ بأن تكرهه زوجة عمه أكثر
من أي شيء أخر في الحياة فهو بالنسبة لها ابن المرأة التي انتصرت عليها وأخذت
حبيبها.
عروة في منزل عمه
لم تمر فترة طويلة على زواج حزام حتى أشتاق
لرحلات الصيد في الصحراء، وأنطلق موليا ظهره لكل شيء وملبيا نداء رغبته في الصيد،
ولم تمر فترة طويلة على رحيله حتى وصل خبر وفاته وكان الخبر هذه المرة صحيحا.
وكعادة العرب الذين لم يحبذوا بأن تحيا امرأة
بلا رجل بحياتها خاصة وإن كانت أرملة، ولهذا لم تمر فترة طويلة حتى تزوجت والدة
عروة في قبيلة أخرى، وأنتقل عروة لبيت عمه.
عروة وعفراء
نشأ عروة وعفراء سويا، حيث كانا يقضيان كل
وقتهما معا منذ الاستيقاظ من النوم حتى موعد النوم، يذهبان لرعي الغنم سويا، وفي
الوقت الذي كان الأطفال يلعبون مع بعضهم البعض بجوار الأغنام سعداء كان عروة
وعفراء يجلسان سويا يتحدثان حتى المغيب ثم يعودان للمنزل، وكانت والدة عفراء تخشى
من نمو المشاعر بين الطفلين ولكنها لم تعلم أن تلك المشاعر قد ولدت معهما منذ
البداية، حتى جاء ذلك اليوم حيث جلس عروة وعفراء يتحدثان ولم يشعرا بالوقت الا أن
أنتبها أن جميع الفتيان والفتيات قد عادوا للمنزل وأن المساء قد حل، فعاد كلاهما للمنزل،
وقد كانت والدة عفراء تنتظرهم على أول الحي وقد رأت بين نظرات عفراء الخجلة ونظرات
عروة لها ما كانت تخشى حدوثه، ولهذا فقد أخبرت زوجها أن عفراء قد صارت شابة الآن
ولم يعد لائقا لها الخروج للرعي مع الغلمان ووافقها والد عفراء على هذا الأمر،
وظنت والدتها أنها قتلت هذا الحب في مهده ولكنها كانت مخطئة وتأكدت من خطئها عندما
رأت عفراء تنتظر وصول عروة على أحر من الجمر، فتحدثت إلى زوجها مرة ثانية بأن عروة
قد أصبح رجلاَ وليس من اللائق أن يظل معهم بالمنزل ولهذا يجب عليه أن يستقل بدار
خاص به، وفاتح والد عفراء عروة بهذا الأمر، وتردد عروة فقد كان يرغب بأن يحادث عمه
بأمر ما ولكنه كان خجلاَ، فأبتسم عمه وأخبره أنه يعلم جيدا المشاعر التي يكنها
لعفراء ويعلم أيضا أنها تكن نفس المشاعر له، كما أخبره عمه أن عفراء لن تكون لرجل
غيره وهكذا أصبحت عفراء خطيبة لعروة حبيبها ومن ترغب بأن تحيا معه كل عمرها، ولكن
هناك مصادر أخرى تقول أن عروة تحدث على عمته هند وأخبرها بحبه لعفراء ورغبته
بالزواج منها وأنها هي من تحدثت إلى والدها والذي وافق على عروة على الرغم من كونه
فقير مثلهم، ولكن أيا يكن من تحدث إلى والد ففي النهاية أصبحت عفراء موعودة لعروة
وعروة موعود لها.
أم عفراء وأبيها
على الرغم من أن أم عفراء قد ذاقت مرارة
الفراق عن الحبيب وعدم الزواج منه، وعلى الرغم من أنها ذاقت مرارة ان تحيا مع من
لا تحب على الإطلاق، إلا أن هذه المشاعر لم تغير كراهيتها نحو عروة ولم تفكر في أن
ابنتها الوحيدة سوف تعاني مما عانت منه هي سابقا، كل هذا لم يشفع للحبيبين، فحاولت
بكل الطرق التفريق بينهما، تارة تتهم عروة بأنه شهر بعفراء في أشعاره، وتارة تتحدث
عن فقره الشديد، وعندما لم تجد لتفرقتهما سبيلاَ طلبت من زوجها أن يطلب مهرا لعفراء
80 ناقة حيث كانت تعلم أن عروة لا يملك سوى ثمانية نوقِ فقط. وكالعادة وافق والد
عروة على ما طلبته منه زوجته، ولم يعلم عروة من أين يأتي بهذا العدد الكبير من
النوق، ولكنه علم ان له قريب باليمن وهو رجل غني وكريم، فأخبر عمه وعفراء بأنه سوف
يسافر ليأتي بالمهر.
وقد يكون السبب الرئيسي لموافقة والد عفراء
على هذا المهر المبالغ به بالنسبة لابن أخيه أنه وكما تقول بعض المصادر أنه كان
يرضخ دائما لزوجته وما تقوله، ولكني أختلف معهم في هذا الأمر حيث أنها لم تكن ترغب
بتزويج عفراء من عروة فلماذا لم يرفض هو أيضا هذا الأمر، في جميع الأحوال يوجد
غموض في هذا الأمر خاصة ما حدث بعد ذلك والذي كان كارثيا بكل ما في الكلمة من
معنى.
زواج عفراء
سافر عروة لقريبه باليمن ليحضر مهر محبوبته
عفراء، وفي ذلك الوقت وصل للحي رجل من أثرياء الشام، جاء لحي عذرة لتعلم الكلام
"أي حسن الحوار والأدب والشعر" وبعد أن أقام خيامه نشر جواريه في الحي
للتعرف على سكانه وبدأ هو بالتعرف على رجال الحي، حتى حدث أن جواريه كُن يحدثنه عن
نساء الحي وكرمهن، فتحدثت إحدى جواريه عن عفراء وجمالها الأخاذ وأدبها وحسن
أخلاقها، حتى أنها تليق بأن تكون عروس سيدها، ولم يكذب الشامي خبراَ وتقدم للزواج
من عفراء ولكن والدها رفض بأدب قائلاَ أن ابنته عفراء مخطوبة بالفعل لابن عمها
عروة وهما يميلان لبعضهما البعض، ولكن الشامي لم ييأس وأصر على الزواج من عفراء،
وعلم من أهل الحي أن أم عفراء تحب المال ولها كلمة كبيرة في بيتها كما أنها لا
ترغب بتزويج عفراء من عروة، وهكذا أغراها الشامي بالمال والحرير والذهب وهي لم
تكذب خبر وفعلت كل ما بوسعها لتحقق حلمها الأصلي بالتفريق بين العاشقين وقد كان في
ثراء الشامي -الذي تناسى تماما أنه "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه"-
الحجة المناسبة لها، ونجحت أم عفراء في نيل ما تمنت ورغبت به من سنوات وتزوجت
عفراء من الشامي وسافرت معه.
لم يعلم والد عفراء ما الذي يجب عليه فعله،
فأتفق مع أهل الحي أن يقولوا لعروة أن عفراء قد أصابها مرض عضال بعد سفره ولم تشفى
منه ووافتها المنية، وقام بعمل قبر فارغ ليكون قبرا لعفراء أمام محبوبها، وجاء
عروة سعيدا ومختالا فقد بارك قريبه اليمني حبه وأعطاه مهره بل وأكثر منه بقليل، ولكنه
صدم مما حدث، خاصة وأن عمه أراه قبر عفراء، لقد كان عمه يأمل أن عروة سينسى عفراء
في خلال أيام قليلة، ولكن ما حدث بعد ذلك لم يكن بحسبان العم، فقد لازم عروة قبر
عفراء باكيا حزينا لفترة طويلة، حتى أصابه الهزال من شدة حزنه على عفراء، حتى شعرت
إحدى الجواري بالشفقة على هذا العاشق المتيم، فذهبت إليه وحكت إليه كل ما حدث منذ
قدوم الشامي حتى سفره بعفراء، فأخذ عروة الرحال متجها إلى الشام، حتى وصل لمنزل
عفراء وطرق الباب قائلا أنه عابر سبيل.
اجتماع العاشقين
سمعت عفراء صوت عروة، وكيف لا تعرف صوت
معشوقها، كيف لا تتعرف على صوت من عشقته طفلاَ وصبياَ وشابا ورجلاَ فتيا، كيف لا
تميز صوت توأم روحها، ومالك قلبها بلا منازع، حتى لو كان الشامي أمتلك جسدها فقد
أمتلك جسدا بدلا قلب، وعاءَ خاويا، نادت عفراء على زوجها وأخبرته أن عابر السبيل
هو ابن عمها، فسمح لعروة بأن يدخل لترحب به أبنة عمه، فرآها عروة بعد غياب وصافحها
بعد طول انتظار، ولكنه لم يتحمل أن تكون محبوبته والتي كانت ستصبح زوجته غريبة عنه
لهذا الحد، تلك المحبوبة التي امتلكت ثنايا قلبه، تلك المحبوبة التي امتلكت لب
عقله، تلك المحبوبة التي لا يرغب في الحياة سوى بالنظر لها، والذي يدق قلبه فقط
باسمها، وهل لنا على قلوبنا سيطرة، فسقط من فوره فاقدا الوعي بمجرد أن تلامسا
باليد، وصدم الشامي مما حدث لعروة ليقول "لم أعلم أن ما بينكما قد وصل لهذا
الحد".
قد يكون الشامي شعر بتأنيب الضمير لكونه فرق
عاشقين بالمال والعادات والتقاليد فأراد أن يريح قلبه قليلا أو أن يكفر عن ذنبه
لعذاب الاثنين بسببه، فأتاح لعروة أن يظل بمنزله ما شاء له البقاء، وأن يجلس مع
عفراء ما شاء له الجلوس، وكانت تجلس معهما إحدى الجواري وبعض العبيد، وعلى الرغم
من العتاب الذي ناله الشامي على ما يفعل إلا أنه تركهم كما يرغبون فهما لا يجلسان
وحيدين على الاطلاق فإما هو معهما أو هناك جواري وعبيد معهم، ولكن كان الوضع
خاطئاَ، وهذا ما تأكد منه الحبيبين، كما إنه كان متعباَ لكلاهما خاصة لعروة،
فكلاهما عاشق للأخر حتى النخاع ولكنها لم تعد حرة ولن تكون حِلا له في يوم من
الأيام وهو لن يكون حِلا لها، فأثر الرحيل حاملا حبها في قلبه غصة تمرضه.
نهاية عاشقين
لم يتحمل عروة الأمر ورحل، وكان حزنه يزداد
يوماَ بعد يوم حتى أصابه المرض نتيجة حزنه، تقول بعض المصادر أنه أصيب بالسل،
ومهما كان ما أصابه فقد ضناه حتى أهلكه، وكان ذهب لوالدته التي بهتت عندما رأت
حالته تلك، وبدأ عروة بالذهاب للأطباء في كل مكان ولكن لم يتمكن أحد من مداواته
وكيف يتمكنون من مداواة من أمرضه الهوى، حتى انتهت حياة عروة البائسة ورحل عن
الدنيا مريضا ومحروما من الأب ومن الأم وممن أحبها.
بعد موت عروة وبسبب حزن الجميع عليه وأثناء
العزاء مرت قافلة وسأل أصحابها عمن مات، فأخبروهم الناس إنه قتيل الهوى عروة ابن
حزام، وكانت قصة عروة معروفة في البادية، وسارت القافلة في طريق عودتها لبلاد
الشام وعندما مرت على منزل الشامي صدح صادح منها قائلاَ " ألا يا أيها الدار
الغافل أهلها.... ننعيكم عروة بن حزام".
سمعت عفراء هذا الخبر فظلت تصرخ مرددة أنها
السبب في موت عروة وأصرت أن تقيم له عزاء، وكانت تبكيه حزناَ على عشق قد فارق
الحياة، ولم يمر ثلاثة أيام على سماع عفراء خبر موت حبيبها إلا وماتت حزناَ وكمداَ
عليه، وكأن فراقه هذا كان اشد مما يحتمله قلبها الذي لم يحمل بداخله شخص سواه.
الختام
لم تذكر المصادر التي تحدثت عن العاشقين أي
شيء عن رد فعل زوج عفراء الشامي عما حدث لعروة وعفراء بسبب إصراره أن لا يُخذل وان
يأخذ فتاة من الفتى التي تحبه والمخطوبة والموعودة له، ولا عن رد فعل أم عفراء
عندما علمت بموت ابنتها حزنا وكدا على حبيب فرقتهم عن بعضهم بسبب قسوتها وطمعها،
كما لم تؤكد المصادر العصر الذي كان عروة موجودا به، بعض المصادر تقول أنه كان في
صدر الإسلام وهي تذكرني بقصة ذلك الإعرابي الذي ذهب لنبينا الكريم صلوات الله وسلامه
عليه يطلب موافقة النبي أن يزوج ابنته من عريس غني طلب يدها وهو يراه مناسبا لها
في حين أنها تحب ابن عمها الفقير وترغب بالزواج به وهو لا يراه مناسبا لها ولكنها
لا ترضى به بديلا، والنبي الكريم رفض وحاول الرجل ذكر مزايا الزوج الغني وكيف ان
ابنته ستحيا حياة كريمة، حتى قال له النبي "لا أرى للمتحابين إلا أن
يتزوجا"، وبعض المصادر الأخرى تقول أن عروة بن حزام كان في العصر الأموي،
وسواء أكان العاشقين في صدر الإسلام أو في الاعصر الأموي فقد كانت نهايتهم مأساوية
والحزن هو ما سطر اخر فصولها، فكم من عفراء ما زالت تباع من أجل المال ليومنا هذا وكم
من عروة يموت عشقا وهو صامتاَ.




